فصل: الآية (83)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏ الآية 60 - 82‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي والبزار وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه، عن أبي الدرداء في قوله‏:‏ ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ قال‏:‏ أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم، وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبزار، عن أبي ذر رفعه قال‏:‏ إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مضمن، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب، وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك، وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل‏.‏ لا إله إلا الله‏.‏‏.‏‏.‏ محمد رسول الله‏.‏

وأخرج الشيرازي في الألقاب عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال‏:‏ كان اللوح الذي ذكر الله تعالى في كتابه ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ حجر منقورا فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، عجبا لمن يعلم أن القدر حق كيف يحزن‏؟‏ ‏!‏‏.‏‏.‏‏.‏ وعجبا لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح‏؟‏ ‏!‏‏.‏‏.‏‏.‏ وعجبا لمن يرى الدنيا وغرورها وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها‏؟‏ ‏!‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏

وأخرج الخرائطي في قمع الحرص وابن عساكر من طريق أبي حازم، عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ قال‏:‏ لوح من ذهب مكتوب فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، عجبا لمن يعرف الموت كيف يفرح‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ وعجبا لمن يعرف النار كيف يضحك‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ وعجبا لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏‏!‏ وعجبا لمن أيقن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ وعجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏لوح من ذهب مكتوب فيه‏:‏ شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ عجبت لمن تفكر في تقلب الليل والنهار ويأمن فجأتهما حالا فحالا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ قال‏:‏ ما كان ذهبا ولا فضة، كان صحفا عليها‏.‏

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن علي بن أبي طالب في قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ قال‏:‏ كان لوح من ذهب مكتوب فيه‏:‏ لا إله الله إلا الله محمد رسول الله‏.‏‏.‏‏.‏ عجبا لمن يذكر الموت حق كيف يفرح‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ وعجبا لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ وعجبا لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ وعجبا لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏وكان أبوهما صالحا‏}‏ قال‏:‏ كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها‏.‏

وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وكان أبوهما صالحا‏}‏ قال‏:‏ حفظ الصلاح لأبيهما وما ذكر عنهما صلاحا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في ذريته والدويرات حوله، فما يزالون في ستر من الله وعافية‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر موقوفا‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال‏:‏ إن الله يخلف العبد المؤمن في ولده ثمانين عاما‏.‏

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس قال‏:‏ بينما موسى يخاطب الخضر يقول‏:‏ ألست نبي بني إسرائيل‏؟‏ فقد أوتيت من العلم ما تكتفي به، وموسى يقول له‏:‏ إني قد أمرت باتباعك‏.‏ والخضر يقول‏:‏ ‏{‏إنك لن تستطيع معي صبرا‏}‏ فبينما هو يخاطبه إذ جاء عصفور فوقع على شاطئ البحر‏.‏ فنقر منه نقرة ثم طار فذهب، فقال الخضر لموسى‏:‏ يا موسى، هل رأيت الطير أصاب من البحر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ما أصبت أنا وأنت من العلم في علم الله، إلا بمنزلة ما أصاب هذا الطير من هذا البحر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله‏:‏ ‏{‏لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين‏}‏ قال‏:‏ حتى أنتهي‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏مجمع البحرين‏}‏ قال‏:‏ بحر فارس والروم، هما بحر المشرق والمغرب‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي بن كعب في قوله‏:‏ ‏{‏مجمع البحرين‏}‏ قال‏:‏ أفريقية‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله‏:‏ ‏{‏مجمع البحرين‏}‏ قال‏:‏ طنجة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله‏:‏ ‏{‏مجمع البحرين‏}‏ قال‏:‏ الكر والرس، حيث يصبان في البحر‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏أو أمضي حقبا‏}‏ قال‏:‏ دهرا‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏أو أمضي حقبا‏}‏ قال‏:‏ سبعين خريفا‏.‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏فلما بلغا مجمع بينهما‏}‏ قال‏:‏ بين البحرين ‏{‏نسيا حوتهما‏}‏ قال‏:‏ أضلاه في البحر ‏{‏فاتخذ سبيله في البحر عجبا‏}‏ قال‏:‏ موسى يعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها ‏{‏فارتدا على آثارهما قصصا‏}‏ قال‏:‏ اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر راجعين‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏نسيا حوتهما‏}‏ قال‏:‏ كان مملوحا مشقوق البطن‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏فاتخذ سبيله في البحر سربا‏}‏ قال‏:‏ أثره يابس في البحر كأنه حجر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أبي بن كعب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما أنجاب ماء منذ كان الناس، غير بيت ماء الحوت دخل منه صار منجابا كالكرة، حتى رجع إليه موسى فرأى أمساكه قال‏:‏ ‏{‏ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا‏}‏ أي، يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى مدخل البحر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فاتخذ سبيله في البحر سربا‏}‏ قال‏:‏ جاء فرأى جناحيه في الطين حين وقع في الماء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله‏:‏ ‏{‏فاتخذ سبيله في البحر سربا‏}‏ قال‏:‏ دخل الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه الله، ثم اتخذ فيها سربا حتى وصل إلى البحر‏.‏ والسرب، طريق حتى وصل إلى الماء وهي بطحاء يابسة في البر، بعدما أكل منه دهرا طويلا وهو زاده، ثم أحياه الله‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس أن موسى عليه السلام شق الحوت وملحه وتغدى منه وتعشى، فلما كان من الغد ‏{‏قال لفتاه آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال في قراءة أبي ‏"‏وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكر له‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ أتى الحوت على عين في البحر يقال لها عين الحياة، فلما أصاب تلك العين رد الله إليه روحه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏فارتدا على آثارهما قصصا‏}‏ قال‏:‏ عودهما على بدئهما‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏فوجدا عبدا من عبادنا‏}‏ قال‏:‏ لقيا رجلا عالما يقال له خضر‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن أبي بن كعب‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏شممت ليلة أسري بي رائحة طيبة فقلت‏:‏ يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة‏؟‏ قال‏:‏ ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها، وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته فيطلع عليه الراهب فيعلمه الإسلام، وأخذ عليه أن لا يعلمه أحدا‏.‏ ثم إن أباه زوجه امرأة فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلمه أحدا، وكان لا يقرب النساء، ثم زوجه أخرى فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلمه أحدا، ثم طلقها فأفشت عليه إحداهما وكتمت الأخرى، فخرج هاربا حتى أتى جزيرة في البحر، فرآه رجلان فأفشى عليه أحدهما وكتم الآخر‏.‏ فقيل له‏:‏ ومن رآه معك‏؟‏ قال‏:‏ فلان‏.‏ وكان في دينهم أن من كذب قتل، فسئل فكتم، فقتل الذي أفشى عليه ثم تزوج الكاتم عليه المرأة الماشطة، فبينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت‏:‏ تعس فرعون‏.‏ فأخبرت الجارية أباها فأرسل إلى المرأة وابنيها وزوجها فأرادهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا، فقال‏:‏ إني قاتلكم‏.‏ قال‏:‏ أحببنا منك إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد‏.‏ فقتلهم وجعلهم في قبر واحد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما شممت رائحة أطيب منها وقد دخلت الجنة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال‏:‏ إنما سمي الخضر، لأنه كان إذا جلس في مكان اخضر ما حوله وكانت ثيابه خضرا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏آتيناه رحمة من عندنا‏}‏ قال‏:‏ أعطيناه الهدى والنبوة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال‏:‏ إنما سمي الخضر، لأنه إذا قام في مكان نبت العشب تحت رجليه حتى يغطي قدميه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله‏:‏ ‏{‏ركبا السفينة‏}‏ قال‏:‏ إنما كانت معبرا في ماء الكر فرسخ في فرسخ‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ‏"‏ليغرق أهلها‏"‏ بالياء‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏لقد جئت شيئا إمراً‏}‏ يقول‏:‏ منكرا‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏شيئا إمرا‏}‏ يقول‏:‏ منكرا‏.‏

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏شيئا إمرا‏}‏ قال‏:‏ عجبا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر في قوله‏:‏ ‏{‏شيئا إمرا‏}‏ قال‏:‏ عظيما‏.‏

وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب في قوله‏:‏ ‏{‏لا تؤاخذني بما نسيت‏}‏ قال‏:‏ لم ينس ولكنها من معاريض الكلام‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي العالية ومن طريق حماد بن يزيد، عن شعيب بن الحجاب قالا‏:‏ كان الخضر عبدا لا تراه الأعين، إلا من أراد الله أن يريه إياه فلم يريه من القوم إلا موسى، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام‏.‏ قال حماد‏:‏ وكانوا يرون أن موت الفجأة من ذلك‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله‏:‏ ‏{‏لقيا غلاما‏}‏ قال‏:‏ كان غلاما ابن عشرين سنة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال‏:‏ لما قتل الخضر الغلام، ذعر موسى ذعرة منكرة‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏نفسا زكية‏}‏ قال‏:‏ تائبة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان يقرأ ‏[‏قتلت نفسا زكية‏]‏ قال سعيد‏:‏ زكية مسلمة‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏نفسا زكية‏}‏ قال‏:‏ لم تبلغ الخطايا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية أنه كان يقرأ ‏{‏زكية‏}‏ يقول‏:‏ تائبة‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن في قوله‏:‏ ‏{‏نفسا زكية‏}‏ قال‏:‏ تائبة‏.‏ يعني صبيا لم يبلغ‏.‏

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏لقد جئت شيئا نكرا‏}‏ قال‏:‏ النكر أنكر من العجب‏.‏

وأخرج أحمد عن عطاء قال‏:‏ كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان، فكتب إليه‏:‏ إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن جرير قال‏:‏ كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن قتل الولدان، ويقول في كتابه‏:‏ إن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد‏.‏ قال يزيد‏:‏ أنا كتبت كتاب ابن عباس بيدي إلى نجدة أنك كتبت تسأل عن قتل الولدان وتقول في كتابك أن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد، ولو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم من ذلك الوليد، قتلته ولكنك لا تعلم‏.‏‏.‏‏.‏ قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم فاعتزلهم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم، عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ سئل ابن عباس عن الولدان في الجنة قال‏:‏ حسبك ما اختصم فيه موسى والخضر‏.‏

وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه، عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا، ولو أدرك لأرهق أبويه طغيانا وكفرا‏"‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا‏"‏‏.‏

وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا

وكفرا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه، عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ‏{‏إن سألتك عن شيء بعدها‏}‏ مهموزتين‏.‏

وأخرج أبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه، عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ‏{‏من لدني عذرا‏}‏ مثقلة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن السدي في قوله‏:‏ ‏{‏أتيا أهل قرية‏}‏ قال‏:‏ كانت القرية تسمى باجروان كان أهلها لئاما‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال‏:‏ أتيا الإبلة وهي أبعد أرض الله من السماء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏أتيا أهل قرية‏}‏‏:‏ قال‏:‏ هي أبرة‏.‏ قال‏:‏ وحدثني رجل أنها أنطاكية‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أيوب بن موسى قال‏:‏ بلغني أن المسألة للمحتاج حسنة، ألا تسمع أن موسى وصاحبه استطعما أهلها‏؟‏

وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ‏{‏فأبوا أن يضيفوهما‏}‏ مشددة‏.‏

وأخرج الديلمي عن أبي بن كعب رفعه في قوله‏:‏ ‏{‏فأبوا أن يضيفوهما‏}‏ قال‏:‏ كانوا أهل قرية لئاما‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله‏:‏ ‏{‏يريد أن ينقض‏}‏ قال‏:‏ يسقط‏.‏

وأخرج ابن الأنباري في المصاحف، عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه قرأ ‏{‏فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض‏}‏ فهدمه ثم قعد يبنيه‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏فأقامه‏}‏ قال‏:‏ رفع الجدار بيده فاستقام‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هرون قال‏:‏ في حروف عبد الله ‏"‏لو شئت لتخذت عليه أجرا‏"‏‏.‏

وأخرج البغوي في معجمه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه، عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ‏"‏لو شئت لتخذت عليه أجرا‏"‏ مخففة‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 3‏)‏‏:‏ الآية 60 - 82‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب ورسول الله يحدثهم بهذا الحديث حتى فرغ من القصة‏:‏ ‏"‏يرحم الله موسى، وددنا أنه لو صبر حتى يقص علينا من حديثهما‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏رحمة الله علينا وعلى موسى

- فبدأ بنفسه - لو كان صبر لقص علينا من خبره، ولكن قال‏:‏ ‏{‏إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فأردت أن أعيبها‏}‏ قال‏:‏ أخرقها‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ‏:‏ ‏"‏وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أنه قرأ ‏"‏يأخذ كل سفينة صالحة غصبا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ كانت تقرأ في الحرف الأول ‏"‏كل سفينة صالحة غصبا‏"‏ قال‏:‏ وكان لا يأخذ إلا خيار السفن‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبي الزاهرية قال‏:‏ كتب عثمان ‏"‏وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال‏:‏ كان اسم الغلام الذي قتله الخضر جيسور‏.‏

وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري، عن ابن عباس أنه كان يقرأ ‏"‏وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين‏"‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة قال‏:‏ في حرف أبي ‏"‏وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله‏:‏ ‏{‏فخشينا‏}‏ قال‏:‏ فأشفقنا‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ هي في مصحف عبد الله

‏"‏فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا‏}‏ قال‏:‏ خشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر في الآية قال‏:‏ لو بقي كان فيه بوارهما واستئصالهما‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قتادة قال‏:‏ قال مطرف بن الشخير‏:‏ إنا لنعلم أنهما قد فرحا به يوم ولد وحزنا عليه يوم قتل، ولو عاش لكان فيه هلاكهما‏.‏ فرضي رجل بما قسم الله له، فإن قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه، وقضاء الله لك فيما تكره خير من قضائه لك فيما تحب‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن جريج في قوله‏:‏ ‏{‏خيرا منه زكاة‏}‏ قال‏:‏ إسلاما‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عطية في قوله‏:‏ ‏{‏خيرا منه زكاة‏}‏ قال‏:‏ دينا ‏{‏وأقرب رحما‏}‏ قال‏:‏ مودة‏.‏ فأبدلا جارية ولدت نبيا‏.‏

وأخرج ابن المنذر من طريق بسطام بن جميل، عن عمر بن يوسف في الآية قال‏:‏ أبدلهما جارية مكان الغلام ولدت نبيين‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏وكان تحته كنز لهما‏}‏ قال‏:‏ كان الكنز لمن قبلنا وحرم علينا، وحرمت الغنيمة على ما كان قبلنا وأحلت لنا، فلا تعجبن للرجل يقول‏:‏ ما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا‏؟‏ فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء، وهي السنن والفرائض‏.‏‏.‏‏.‏ تحل لأمة وتحرم على أخرى‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم، عن خيثمة قال‏:‏ قال عيسى ابن مريم عليه السلام‏:‏ طوبى لذرية مؤمن، ثم طوبى لهم كيف يحفظون من بعده‏.‏ وتلا خيثمة ‏{‏وكان أبوهما صالحا‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب قال‏:‏ إن الله يصلح بالعبد الصالح القبيل من الناس‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق شيبة، عن سليمان بن سليم بن سلمة قال‏:‏ مكتوب في التوراة ‏"‏إن الله ليحفظ القرن إلى القرن إلى سبعة قرون، وإن الله يهلك القرن إلى القرن إلى سبعة قرون‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال‏:‏ إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لنبي إسرائيل‏:‏ ‏"‏إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية، وإذا عصيت غضبت ولعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد عن وهب قال‏:‏ يقول الله‏:‏ ‏"‏اتقوا غضبي فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء، وأحبوا رضاي فإن رضاي يدرك في الأمة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏وما فعلته عن أمري‏}‏ قال‏:‏ كان عبدا مأمورا مضى لأمر الله‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال‏:‏ قال موسى لفتاه يوشع بن نون ‏{‏لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين‏}‏ فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها، فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت، ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه‏:‏ ‏{‏آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا‏}‏ يعني جهدا في السير‏.‏ فقال الفتى لموسى‏:‏ ‏{‏أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره‏}‏‏.‏

قال‏:‏ فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب، أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء، فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف، فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف‏:‏ هل يرى ذلك الرجل‏؟‏ حتى كاد يسيء الظن، ثم رآه فقال‏:‏ السلام عليك يا خضر‏.‏ قال‏:‏ عليك السلام يا موسى‏.‏ قال‏:‏ من حدثك أني أنا موسى‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏؟‏ قال‏:‏ حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر‏.‏ قال‏:‏ إني أريد أن أصحبك ‏{‏على أن تعلمني مما علمت رشدا‏}‏ وأنه تقدم إليه فنصحه فقال‏:‏ ‏{‏إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا‏}‏ وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا، فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه ‏{‏قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا‏}‏ إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك‏.‏

فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة، فناداهم خضر‏:‏ يا أصحاب السفينة، هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم، وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم‏:‏ إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم‏.‏ فقال صاحب السفينة‏:‏ إني أرى رجالا على وجوههم النور، لأحملنهم‏.‏ فقال الخضر‏:‏ بكم حملت هؤلاء‏؟‏ كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف‏.‏ فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية‏:‏ إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء، وإن موسى امتلأ غضبا ‏{‏قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا‏}‏ وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر، فقال‏:‏ أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك‏:‏ فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر، وكلما سكن كان البحر كالدهر، وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام‏:‏ ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك‏؟‏ وإن الخضر أقبل عليه ‏{‏قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا‏}‏ وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال‏:‏ ‏{‏لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا‏}‏ فلما انتهوا إلى القرية قال خضر‏:‏ ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق، وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال‏:‏ إنما أردت الذي هو خير لك، فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت‏.‏

ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب، عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله ‏{‏قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا‏}‏ وإن خضرا أقبل عليه فقال‏:‏ قد وفيت لك بما جعلت على نفسي ‏{‏هذا فراق بيني وبينك‏}‏ ‏{‏وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين‏}‏ فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه، فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه ‏{‏وأقرب رحما‏}‏‏.‏

‏{‏وأما الجدار فكان لغلاميين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما‏}‏ فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم‏.‏وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال‏:‏ قيل لابن عباس‏:‏ لم نسمع - يعني موسى - يذكر من حديث فتاه وقد كان معه‏.‏ فقال ابن عباس‏:‏ فيما يذكر من حديث الفتى قال‏:‏ شرب الفتى من الماء فخلد فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة‏.‏ وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه‏.‏ قال ابن كثير الحسن متروك وأبوه غير معروف‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال‏:‏ بلغني أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه‏:‏ يا موسى، تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به‏.‏ وبلغني أن موسى قال للخضر‏:‏ ادع لي‏.‏ فقال الخضر‏:‏ يسر الله عليك طاعته‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال‏:‏ قال الخضر لموسى حين لقيه‏:‏ يا موسى، انزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، والزم بيتك وابك على خطيئتك‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر، عن أبي عبد الله - أظنه الملطي - قال‏:‏ أراد موسى أن يفارق الخضر، فقال له موسى‏:‏ أوصني‏.‏ قال‏:‏ كن نفاعا ولا تكن ضرارا، كن بشاشا ولا تكن غضبانا، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، ولا تعير امرأ بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن وهب، أن الخضر قال لموسى‏:‏ يا موسى، إن الناس يعذبون في الدنيا على قدر همومهم بها‏.‏

وأخرج العقيلي عن كعب قال‏:‏ الخضر على منبر بين البحر الأعلى والبحر الأسفل، وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية‏.‏

وأخرج ابن شاهين عن خصيف قال‏:‏ أربعة من الأنبياء أحياء‏:‏ اثنان في السماء عيسى وإدريس‏.‏ وإثنان في الأرض، الخضر وإلياس‏.‏ فأما الخضر، فإنه في البحر‏.‏ وأما صاحبه فإنه في البر‏.‏

وأخرج الخطيب وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال‏:‏ بينا أنا أطوف، إذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول‏:‏ يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك، قلت‏:‏ يا عبد الله، أعد الكلام‏.‏ قال‏:‏ وسمعته‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ والذي نفس الخضر بيده‏:‏ - وكان هو الخضر - لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة، إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر‏.‏

وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية، عن كعب الأحبار قال‏:‏ إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ الهند - وهو بحر الصين - فقال لأصحابه‏:‏ يا أصحابي، أدلوني‏.‏ فدلوه في البحر أياما وليالي ثم صعد، فقالوا له‏:‏ يا خضر، ما رأيت‏؟‏ فلقد أكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر‏.‏ فقال‏:‏ استقبلني ملك من الملائكة فقال لي‏:‏ أيها الآدمي

الخطاء إلى أين‏؟‏ ومن أين‏؟‏ فقلت‏:‏ إني أردت أن أنظر عمق هذا البحر‏.‏ فقال لي‏:‏ كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام لم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة، وذلك منذ ثلثمائة سنة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن بقية قال‏:‏ حدثني أبو سعيد قال‏:‏ سمعت أن آخر كلمة أوصى بها الخضر موسى حين فارقه‏:‏ إياك أن تعير مسيئا بإساءته فتبتلى‏.‏

أخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أسامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه‏:‏ ‏"‏ألا أحدثكم عن الخضر‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏ بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب فقال‏:‏ تصدق علي بارك الله فيك‏.‏ فقال الخضر‏:‏ آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي شيء أعطيكه‏.‏ فقال المسكين‏:‏ أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت السماحة في وجهك ووجدت البركة عندك‏.‏ فقال الخضر‏:‏ آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني‏.‏ فقال المسكين‏:‏ وهل يستقيم هذا‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ الحق أقول، لقد سألتني بأمر عظيم‏:‏ أما أني لا أخيبك بوجه ربي تعالى‏.‏ فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء‏.‏ فقال له‏:‏ إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني أعمل بعمل‏.‏ قال‏:‏ أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف‏.‏ قال‏:‏ ليس يشق علي قال‏:‏ فقم فانقل هذه الحجارة‏.‏ وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال‏:‏ أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه، ثم عرض للرجل سفرة فقال‏:‏ إني احتسبتك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة‏.‏ قال‏:‏ فأوصني بعمل‏.‏ قال‏:‏ إني أكره أن أشق عليك‏.‏ قال‏:‏ ليس يشق علي قال‏:‏ فاضرب من اللبن لنبني حتى أقدم عليك، فمر الرجل لسفره فرجع وقد شيد بناؤه، فقال‏:‏ أسألك بوجه الله، ما سبيلك وما أمرك‏؟‏ فقال‏:‏ سألتني بوجه الله ووجه الله أوقعني في العبودية، أنا الخضر الذي سمعت به‏.‏‏.‏‏.‏ سألني مسكين صدقة ولم يكن عندي شيء أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من نفسي فباعني‏.‏ فأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم له ولا عظم ليتقصع‏.‏ فقال الرجل‏:‏ آمنت بالله‏!‏‏.‏‏.‏‏.‏ شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم‏.‏ فقال‏:‏ لا بأس، أحسنت وأتقنت‏.‏ فقال الرجل‏:‏ بأبي أنت وأمي يا نبي الله، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك‏.‏ فقال‏:‏ أحب أن تخلي سبيلي أعبد ربي‏.‏ فخلى سبيله فقال الخضر‏:‏ الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي في الشعب عن الحجاج بن فرافصة، أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر، فكان أحدهما يكثر الحلف، فبينما هو كذلك إذ مر عليهما رجل فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف‏:‏ مه يا عبد الله، اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف‏.‏ قال‏:‏ امض لما يعنيك‏.‏ قال‏:‏ ذا مما يعنيني - قالها ثلاث مرات ورد عليه قوله - فلما أراد أن ينصرف قال‏:‏ اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك، ولا يكن في قولك فضل على فضلك‏.‏ ثم انصرف فقال عبد الله بن عمر‏:‏ الحقه فاستكتبه هذه الكلمات‏.‏ فقال‏:‏ يا عبد الله، اكتبني هذه الكلمات يرحمك الله‏.‏ فقال الرجل‏:‏ ما يقدر الله من أمر يكن فأعادهن عليه حتى حفظهن ثم شهده حتى وضع إحدى رجليه في المسجد، فما أدري أرض لفظته أو سماء اقتلعته، قال‏:‏ كأنهم يرونه الخضر أو إلياس عليه السلام‏.‏

وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند واه، عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الخضر في البحر وإليسع في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي رواد قال‏:‏ إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس، ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل‏.‏

وأخرج العقيلي والدارقطني في الأفراد وابن عساكر، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاك‏؟‏‏؟‏‏؟‏ الكلمات‏:‏ بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله‏"‏‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات، أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب‏.‏

 الآية 83

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال‏:‏ قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا محمد، إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين أنك سمعت ذكرهم منا، فأخبرنا عن نبي لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد‏.‏ قال‏:‏ ومن هو‏؟‏ قالوا‏:‏ ذو القرنين‏.‏ قال‏:‏ ما بلغني عنه شيء‏.‏ فخرجوا فرحين وقد غلبوا في أنفسهم، فلم يبلغوا باب البيت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات ‏{‏ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال‏:‏ دخل بعض أهل الكتاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا‏:‏ ‏"‏يا أبا القاسم، كيف تقول في رجل كان يسيح في الأرض‏؟‏ قال‏:‏ لا علم لي به‏.‏ فبينما هم على ذلك إذ سمعوا نقيضا فب السقف، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

غمة الوحي ثم سري عنه فتلا ‏{‏ويسألونك عن ذي القرنين‏}‏ الآية‏.‏ فلما ذكر السد قالوا‏:‏ أتاك خبره يا أبا القاسم حسبك‏"‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما أدري أتبع كان لعينا أم لا، وما أدري أذو القرنين كان نبيا أم لا، وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏ سئل علي عن ذي القرنين‏:‏ أنبي هو‏؟‏ فقال‏:‏ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏هو عبد ناصح الله فنصحه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه من طريق أبي الطفيل، أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين‏:‏ أنبيا كان أم ملكا‏؟‏ قال‏:‏ لم يكن نبيا ولا ملكا، ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه، ونصح لله فنصحه‏.‏‏.‏‏.‏ بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات، ثم أحياه الله لجهادهم‏.‏ ثم بعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات، فأحياه الله لجهادهم‏.‏ فلذلك سمي ذا القرنين، وإن فيكم مثله‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ ذو القرنين نبي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأحوص بن حكيم عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ سئل عن ذي القرنين فقال‏:‏ ‏"‏هو ملك مسح الأرض بالإحسان‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن خالد بن معدان الكلاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال‏:‏ ‏"‏ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ، عن عمر أنه سمع رجلا ينادي بمنى‏:‏ يا ذا القرنين، فقال له عمر رضي الله عنه‏:‏ ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء، فما بالكم وأسماء الملائكة‏؟‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير، أن ذا القرنين ملك من الملائكة أهبطه الله إلى الأرض وآتاه من كل شيء سببا‏.‏

وأخرج الشيرازي في الألقاب عن جبير بن نفير، أن أحبارا من اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏حدثنا عن ذي القرنين إن كنت نبيا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو ملك مسح الأرض بالأسباب‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال‏:‏ كان نذير واحد بلغ ما بين المشرق والمغرب، ذو القرنين بلغ السدين وكان نذيرا، ولم أسمع بحق أنه كان نبيا‏.‏

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي الورقاء قال‏:‏ قلت لعلي بن أبي طالب‏:‏ ذو القرنين ما كان قرناه‏؟‏ قال‏:‏ لعلك تحسب أن قرنيه ذهب أو فضة، كان نبيا فبعثه الله إلى أناس فدعاهم إلى الله تعالى فقام رجل فضرب قرنه الأيسر فمات، ثم بعثه الله فأحياه، ثم بعثه إلى ناس فقام رجل فضرب قرنه الأيمن فمات، فسماه الله ذا القرنين‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر قال‏:‏ إنما سمي ذو القرنين ذا القرنين، لشجتين شجهما على قرنيه في الله، وكان أسود‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه، أن ذا القرنين أول من لبس العمامة، وذاك أنه كان في رأسه قرنان كالظلفين متحركان فلبس العمامة من أجل ذلك، وأنه دخل الحمام ودخل كاتبه معه فوضع ذو القرنين العمامة فقال لكاتبه‏:‏ هذا أمر لم يطلع عليه خلق غيرك، فإن سمعت به من أحد قتلتك‏.‏ فخرج الكاتب من الحمام فأخذه كهيئة الموت، فأتى الصحراء فوضع فمه بالأرض ثم نادى‏:‏ ألا إن للملك قرنين‏.‏ فأنبت الله من كلمته قصبتين، فمر بهما راع فأعجب بهما فقطعهما واتخذهما مزمارا، فكان إذا زمر خرج من القصبتين‏:‏ ألا إن للملك قرنين‏.‏ فانتشر ذلك في المدينة، فأرسل ذو القرنين إلى الكاتب فقال‏:‏ لتصدقني أو لأقتلنك‏.‏ فقص عليه الكاتب القصة، فقال ذو القرنين‏:‏ هذا أمر أرد الله أن يبديه‏.‏ فوضع العمامة عن رأسه‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل، عن عقبة بن عامر الجهني قال‏:‏ ‏"‏كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت ذات يوم فإذا أنا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف فقالوا‏:‏ من يستأذن لنا على النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال‏:‏ ما لي ولهم، سألوني عما لا أدري‏؟‏ إنما أنا عبد لا أعلم إلا ما أعلمني ربي عز وجل‏.‏ ثم قال‏:‏ ابغني وضوءا فأتيته بوضوء فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم انصرف فقال - وأنا أرى السرور والبشر في وجهه - أدخل القوم علي ومن كان من أصحابي فأدخله أيضا علي، فأذنت لهم فدخلوا فقال‏:‏ إن شئتم أخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول‏.‏ قالوا‏:‏ بل فأخبرنا‏.‏ قال‏:‏ جئتم تسألوني عن ذي القرنين، إن أول أمره أنه كان غلاما من الروم، أعطي ملكا فسار حتى أتى ساحل أرض مصر فابتنى مدينة يقال لها ‏"‏اسكندرية‏"‏ فلما فرغ من شأنها بعث الله عز وجل إليه ملكا فعرج به فاستعلى بين السماء، ثم قال له‏:‏ انظر ما تحتك‏.‏ فقال‏:‏ أرى مدينتي وأرى مدائن معها، ثم عرج به فقال‏:‏ انظر‏.‏ فقال‏:‏ قد اختلطت مع المدائن فلا أعرفها، ثم زاد فقال انظر‏:‏ قال‏:‏ أرى مدينتي وحدها ولا أرى غيرها‏.‏ قال له الملك‏:‏ إنها تلك الأرض كلها، والذي ترى يحيط بها هو البحر وإنما أراد ربك أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانا فيها، فسر فيها فعلم الجاهل وثبت العالم، فسار حتى بلغ مغرب الشمس، ثم سار حتى بلغ

مطلع الشمس، ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء، فبنى السد ثم اجتاز يأجوج ومأجوج، فوجد قوما وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج، ثم قطعهم فوجد أمة قصارا يقاتلون القوم الذين وجوههم وجوه الكلاب، ووجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار، ثم مضى فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة، ثم مضى إلى البحر الدائر بالأرض فقالوا‏:‏ نشهد أن أمره هكذا كما ذكرت، وإنا نجده هكذا في كتابنا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن الأشج صاحب كعب الأحبار، أن ذا القرنين كان رجلا طوافا صالحا، فلما وقف على جبل آدم الذي هبط عليه ونظر إلى أثره هاله، فقال له الخضر‏:‏ - وكان صاحب لوائه الأكبر - مالك أيها الملك‏؟‏ قال‏:‏ هذا أثر الآدميين‏.‏‏.‏‏.‏ أرى موضع الكفين والقدمين وهذه القرحة، وأرى هذه الأشجار حوله قائمة يابسة يسيل منها ماء أحمر، إن لها لشأنا‏.‏ فقال له الخضر‏:‏ - وكان قد أعطي العلم والفهم - أيها الملك، ألا ترى الورقة المعلقة من النخلة الكبيرة قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ فهي تخبرك بشأن هذا الموضع‏.‏ - وكان الخضر يقرأ كل كتاب - فقال‏:‏ أيها الملك، أرى كتابا فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من آدم أبي البشر، أوصيكم ذريتي وبناتي أن تحذروا عدوي وعدوكم إبليس الذي كان يلين كلامه وفجور أمنيته، أنزلني من الفردوس إلى تربة الدنيا، وألقيت على موضعي هذا لا يلتفت إلي مائتي سنة بخطيئة واحدة، حتى درست في الأرض وهذا أثري وهذه الأشجار من دموع عيني فعلي في هذه التربة أنزلت التوبة، فتوبوا من قبل أن تندموا وباردوا من قبل أن يبادر بكم وقدموا من قبل أن يقدم بكم‏.‏ فنزل ذو القرنين فمسح موضع جلوس آدم فإذا هو ثمانون ومائة ميل، ثم أحصى الأشجار فإذا هي تسعمائة شجرة كلها من دموع آدم نبتت، فلما قتل قابيل هابيل تحولت يابسة وهي تبكي دما أحمر فقال ذو القرنين للخضر‏:‏ ارجع بنا فلا طلبت الدنيا بعدها‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن السدي قال‏:‏ كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم عن الحسن قال‏:‏ كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب، عن عبيد بن يعلى قال‏:‏ إنما سمي ذا القرنين لأنه كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن وهب بن منبه أنه سئل عن ذي القرنين فقال‏:‏ لم يوح إليه وكان ملكا‏.‏ قيل‏:‏ فلم سمي ذا القرنين‏؟‏ فقال‏:‏ اختلف فيه أهل الكتاب، فقال بعضهم‏:‏ ملك الروم وفارس، وقال بعضهم‏:‏ إنه كان في رأسه شبه القرنين‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن بكر بن مضر، أن هشام بن عبد الملك سأله عن ذي القرنين‏:‏ أكان نبيا‏؟‏ فقال‏:‏ لا، ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كان فيه‏:‏ كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا حدث صدق، ولا يجمع اليوم لغد‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم عن يونس، بن عبيد قال‏:‏ إنما سمي ذا القرنين، لأنه كان له غديرتان من رأسه من شعر يطأ فيهما‏.‏

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي العالية قال‏:‏ إنما سمي ذا القرنين لأنه قرن ما بين مطلع الشمس ومغربها‏.‏

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، عن ابن شهاب قال‏:‏ إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها‏.‏

وأخرج عن قتادة قال‏:‏ الإسكندر هو ذو القرنين‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ابن إسحق، عمن يسوق أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب ممن قد أسلم فيما توارثوا من علمه، أن ذا القرنين كان رجلا صالحا من أهل مصر، اسمه مرزيا بن مرزية اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح‏.‏

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن عبيد بن عمير، أن ذا القرنين حج ماشيا فسمع به إبراهيم فتلقاه‏.‏

وأخرج الشيرازي في الألقاب، عن قتادة قال‏:‏ إنما سمي ذا القرنين، لأنه كان له عقيصتان‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة، أن ذا القرنين كان من سواس الروم يسوس أمرهم، فخير بين ذلال السحاب وصعابها فاختار ذلالها، فكان يركب عليها‏.‏

وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب وأبو الشيخ، عن وهب بن منبه اليماني - وكان له علم الأحاديث الأولى - أنه كان يقول‏:‏ كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره، وكان اسمه الإسكندر وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، فلما بلغ وكان عبدا صالحا قال الله له‏:‏ ‏"‏يا ذا القرنين، إني باعثك إلى أمم الأرض منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها، في وسط الأرض منهم الإنس والجن ويأجوج ومأجوج، فأما اللتان بينهما طول الأرض، فأمة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، وأما الأخرى‏.‏ فعند مطلعها يقال لها منسك، وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل، وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر فأمة يقال لها تاويل‏.‏ فلما قال الله له ذلك قال له ذو القرنين‏:‏ يا إلهي، أنت قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت، فأخبرني عن هذه الأمم التي تبعثني إليها، بأي قوة أكابرهم، وبأي جمع أكاثرهم، وبأي حيلة أكايدهم، وبأي لسان أناطقهم‏؟‏ ‏؟‏‏؟‏ وكيف لي بأن أحاربهم، وبأي سمع أعي قولهم، وبأي بصر أنفذهم، وبأي حجة أخاصمهم، وبأي قلب أعقل عنهم، وبأي حكمة أدبر أمرهم، وبأي قسط أعدل بينهم، وبأي حلم أصابرهم، وبأي معرفة أفصل بينهم، وبأي علم أتقن أمرهم، وبأي يد اسطو عليهم، وبأي رجل أطؤهم، وبأي طاقة أخصمهم، وبأي جند أقاتلهم، وبأي رفق أستألفهم‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏ وإنه ليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقرن لهم، ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم، وأنت الرب الرحيم الذي لا يكلف نفسا ولا يحملها إلا طاقتها، ولا يعنتها ولا يفدحها بل يرأفها ويرحمها‏.‏ فقال له الله عز وجل‏:‏ إني سأطوقك ما حملتك، أشرح لك صدرك فيتسع لكل شيء، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كل شيء، وأمد لك بصرك فتنفذ كل شيء، وأدبر لك أمرك فتتقن كل شيء، وأحصر لك فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يغرب عنك شيء، وأشد ظهرك فلا يهدك شيء، وأشد لك ركبك فلا يغلبك شيء، وأشد لك قلبك فلا يروعك شيء، وأشد لك عقلك فلا يهولك شيء، وأبسط لك يديك فيسطوان فوق كل شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء‏.‏ وأسخر لك النور والظلمة فأجعلهما جندا من جنودك يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك‏.‏

فلما قيل له ذلك انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس، فلما بلغهم وجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله تعالى، وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله، وألسنة مختلفة وأمورا مشتبهة وأهواء مشتتة وقلوبا متفرقة، فلما رأى ذلك كابرهم بالظلمة وضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، وأحاطت بهم من كل جانب وحاشدهم حتى جمعهم في مكان واحد ثم دخل عليهم بالنور، فدعاهم إلى الله وعبادته‏.‏‏.‏‏.‏ فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودورهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب منهم فماجوا فيها وتحيروا، فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد فكشف عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جندا واحدا، ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم من حولهم، والنور من أمامه يقوده ويدله وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى، وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ الآية 83‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وسخر الله يده وقلبه ورأيه ونظره وائتماره فلا يخطئ إذا ائتمر وإذا عمل عملا أتقنه، فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه‏.‏‏.‏‏.‏ فإذا انتهى إلى بحر أو مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار أمثال البغال فنظمها في ساعة واحدة ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فتقها ثم دفع إلى كل إنسان لوحا فلا يكربه حمله، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك، فلما فرغ منهم مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنودا كفعله في الأمتين اللتين قبلهما، ثم كر مقبلا في ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تاويل - وهي الأمة اللتي بحيال هاويل وهما متقابلتان، بينهما عرض الأرض كلها - فلما بلغها عمل فيها وجند منها كفعله فيما قبلها، فلما فرغ منها عطف منها إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن وسائر الإنس ويأجوج ومأجوج‏.‏

فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق، قال له أمة من الإنس صالحة‏:‏ يا ذا القرنين، إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله‏.‏‏.‏‏.‏ كثيرا فيهم مشابهة من الأنس، وهم أشباه البهائم وهم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحش كما يفترسها السباع، ويأكلون خشاش الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض، وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد، ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم، فإن كانت لهم كثرة على ما يرى من نمائهم وزيادتهم، فلا شك أنهم سيملأون الأرض ويجلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها، وليست تمر بنا سنة منذ جاورناهم ورأيناهم إلا ونحن نتوقعهم وننظر أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين‏.‏‏.‏‏.‏ فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا‏؟‏ قال‏:‏ ما مكني فيه ربي خير، فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، اغدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أرتاد بلادهم وأعلم علمهم وأقيس ما بين جبليهم‏.‏

ثم انطلق يؤمهم حتى دفع إليهم وتوسط بلادهم، فإذا هم على مقدار واحد‏.‏‏.‏‏.‏ أنثاهم وذكرهم مبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخاليب في مواضع الأظفار من أيدينا، ولهم أنياب وأضراس كأضراس السباع وأنيابها، وأحناك كأحناك الإبل قوة، يسمع له حركة إذا أكل كحركة الجرة من الإبل، أو كقضم الفحل المسن أو الفرس القوي، وهم صلب عليهم من الشعر في أجسادهم ما يواريهم وما يتقون به من الحر والبرد إذا أصابهم، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان إحداهما وبرة ظهرها وبطنها، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها‏.‏‏.‏‏.‏ تسعانه إذا لبسهما، يلبس إحداهما ويفترش الأخرى، ويصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى، وليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه ومنقطع عمره، وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت الأنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد، فإذا كان ذلك أيقن بالموت وتهيأ له‏.‏ وهم يرزقون التنين في زمان الربيع ويستمطرونه إذا تحينوه كما يستمطر الغيث لحينه، فيقذفون منه كل سنة بواحد فيأكلونه عامهم كله إلى مثلها من قابل، فيعينهم على كثرتهم وما هم فيه، فإذا أمطروا أخصبوا وعاشوا وسهئوا ورؤي أثره عليهم فدرت عليهم الإناث وشبقت منهم الذكور، وإذا أخطأهم هزلوا وأحدثوا وجفلت منهم الذكور وأحالت الإناث وتبين أثر ذلك عليهم، وهم يتداعون تداعي الحمام ويعوون عوي الذئاب ويتسافدون حيثما التقوا تسافد البهائم‏.‏

ثم لما عاين ذلك منهم ذو القرنين، انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما - وهي في منقطع أرض الترك مما يلي الشمس - فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ، فلما أنشأ في عمله حفر له أساسا حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخا وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس يذاب ثم يصب عليه، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض، ثم علا وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، فلما فرغ منه وأحكم انطلق عامدا إلى جماعة الإنس والجن، فبينما هو يسير إذ رفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أمة مقسطة يقتسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتأسون ويتراحمون‏.‏‏.‏‏.‏ حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم مؤتلفة وسيرتهم مستوية وقبورهم بأبواب بيوتهم، وليس على بيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء وليس بينهم قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف، ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يتنازعون ولا يستبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس، وهم أطول الناس أعمارا وليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ‏.‏

فلما رأى ذلك ذو القرنين من أمرهم أعجب منهم وقال لهم‏:‏ أخبروني أيها القوم خبركم، فإني قد أحصيت الأرض كلها‏.‏‏.‏‏.‏ برها وبحرها، وشرقها وغربها، ونورها وظلمتها‏.‏‏.‏‏.‏ فلم أجد فيها أحدا مثلكم‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فأخبروني خبركم‏.‏ قالوا‏:‏ نعم، سلنا عما تريد‏.‏ قال‏:‏ أخبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم‏؟‏ قال‏:‏ عمدا فعلنا ذلك، لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا‏.‏ قال‏:‏ فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب‏؟‏ قالوا‏:‏ ليس فينا متهم وليس فينا إلا أمين مؤتمن‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم ليس عليكم أمراء‏؟‏ قالوا‏:‏ ليس فينا مظالم‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم ليس بينكم حكام‏؟‏ قالوا‏:‏ لا نختصم‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم ليس فيكم أغنياء‏؟‏ قال‏:‏ لا نتكاثر‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم ليس فيكم أشراف‏؟‏ قالوا‏:‏ لا نتنافس‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم لا تتفاوتون ولا تتفاضلون‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل أنا متواصلون متراحمون‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم لا تقتتلون ولا تستبون‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسسنا أنفسنا بالحلم‏.‏ قال‏:‏ فما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع، فلا يغتاب بعضنا بعضا‏.‏ قال‏:‏ فأخبروني من أيي ‏[‏‏؟‏‏؟‏‏]‏ تشابهت قلوبكم واعتدلت سيرتكم‏؟‏ قالوا‏:‏ صحت صدورنا فنزع الله بذلك الغل والحسد من قلوبنا‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل أنا نقسم بالسوية‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل الذل والتواضع‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم جعلتم أطول الناس أعمارا‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم لا تقحطون‏؟‏ قالوا‏:‏ لا نغفل عن الاستغفار‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم لا تحردون‏؟‏ قالوا‏:‏ من قبل أنا وطنا أنفسنا للبلاء منذ كنا، وأحببناه وحرصنا عليه فعرينا منه‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم لا تصيبكم الآفات كما تصيب الناس‏؟‏ قالوا‏:‏ لا نتوكل على غير الله ولا نعمل بأنواء النجوم‏.‏

قال‏:‏ حدثوني‏.‏‏.‏‏.‏ أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، وجدنا آبائنا يرحمون مساكينهم، ويواسون فقراءهم ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويحلمون على من جهل عليهم، ويستغفرون لم سبهم، ويصلون أرحامهم، ويردون أماناتهم، ويحفظون وقتهم لصلاتهم، ويوفون بعهودهم، ويصدقون في مواعيدهم، ولا يرغبون عن أكفائهم ولا يستنكفون عن أقاربهم، فأصلح الله بذلك أمرهم وحفظهم به ما كانوا أحياء، وكان حقا عليه أن يخلفهم في تركتهم‏.‏ فقال لهم ذو القرنين‏:‏ لو كنت مقيما لأقمت فيكم، ولكني لم أؤمر بالإقامة‏.‏وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال‏:‏ كان لذي القرنين صديق من الملائكة يقال له زرافيل، وكان لا يزال يتعاهده بالسلام، فقال له ذو القرنين‏:‏ يا زرافيل، هل تعلم شيئا يزيد في طول العمر لنزداد شكرا وعبادة‏؟‏ قال‏:‏ ما لي بذلك علم، ولكن سأسأل لك عن ذلك في السماء‏.‏ فعرج زرافيل إلى السماء فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم هبط، فقال‏:‏ إني سألت عما سألتني عنه فأخبرت أن لله عينا في ظلمة هي أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد، من شرب منها شربة لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت‏.‏ قال‏:‏ فجمع ذو القرنين علماء الأرض إليه فقال‏:‏ هل تعلمون أن لله عينا في ظلمة‏؟‏ فقالوا‏:‏ ما نعلم ذلك‏.‏ فقام إليه رجل شاب فقال‏:‏ وما حاجتك إليها أيها الملك‏؟‏ قال‏:‏ لي بها حاجة‏.‏ قال‏:‏ فإني أعلم مكانها‏.‏ قال‏:‏ ومن أين علمت مكانها‏؟‏ قال‏:‏ قرأت وصية آدم عليه السلام فوجدت فيها‏:‏ إن لله عينا خلف مطلع الشمس في ظلمة، ماؤها أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد، من شرب منها شربة لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت‏.‏

فسار ذو القرنين من موضعه الذي كان فيه اثنتي عشرة سنة حتى انتهى إلى مطلع الشمس، عسكر وجمع العلماء فقال‏:‏ إني أريد أن أسلك هذه الظلمة بكم، فقالوا‏:‏ إنا نعيذك بالله أن تسلك مسلكا لم يسلكه أحدا من بني آدم قط قبلك‏.‏ قال‏:‏ لا بد أن أسلكها‏.‏ قالوا‏:‏ إنا نعيذك أن تسلك بنا هذه الظلمة، فإنا لا نأمن أن ينفتق علينا بها أمر يكون فيه فساد الأرض‏.‏ قال‏:‏ لا بد أن أسلكها‏.‏ قالوا‏:‏ فشأنك‏.‏

فسألهم أي الدواب أبصر‏؟‏ قالوا‏:‏ الخيل‏.‏ قال‏:‏ فأي الخيل أبصر‏؟‏ قالوا‏:‏ الإناث‏.‏ قال‏:‏ فأي الإناث أبصر‏؟‏ قالوا‏:‏ الأبكار‏.‏ فانتقى ستة آلاف فرس أنثى بكر ثم انتخب من عسكره ستى آلاف رجل، فدفع إلى كل رجل منهم فرسا، وولى الخضر منها على ألفي فارس ثم جعله على مقدمته، ثم قال‏:‏ سر أمامي‏.‏ فقال له الخضر‏:‏ أيها الملك، إني لست آمن هذه الأمة الضلال فيتفرق الناس مني، فدفع إليه خرزة حمراء فقال‏:‏ إذا تفرق الناس فارم هذه الخرزة فإنها ستضيء لك وتصوت حتى تجمع إليك أهل الضلال، واستخلف على الناس خليفة وأمره أن يقيم في عسكره اثنتي عشرة سنة، فإن هو رجع إلى ذلك وإلا أمر الناس أن يتفرقوا في بلدانهم‏.‏

ثم أمر الخضر فسار أمامه، فكان الخضر إذا أتاه ذو القرنين رحل من منزله ونزل ذو القرنين في منزل الخضر الذي كان فيه، فبينا الخضر يسير في تلك الظلمة إذ تفرق الناس عنه، فطرح الخرزة من يده فإذا هي على شفير العين والعين في واد فأضاء له ما حول البئر، فنزل الخضر ونزع ثيابه ودخل العين فشرب منها واغتسل ثم خرج، فجمع عليه ثيابه ثم أخذ الخرزة وركب وخالفه ذو القرنين في غير الطريق الذي أخذ فيه الخضرز

فساروا في تلك الظلمة في مقدار ست ليال وأيامهن ولم تكن ظلمة كظلمة الليل، إنما كانت ظلمة كهيئة ضباب حتى خرجوا إلى أرض ذات نور ليس فيها شمس ولا قمر ولا نجم، فعسكر ثم نزل الناس ثم ركب ذو القرنين وحده فسار حتى انتهى إلى قصر طوله فرسخ في فرسخ، فدخل القصر فإذا هو بعمود على حافتي القصر، وإذا طائر مذموم‏.‏‏.‏‏.‏ بأنفه سلسلة معلقة في ذلك العود شبه الخطاف أو قريب من الخطاف، فقال له الطير‏:‏ من أنت‏؟‏ قال أنا ذو القرنين‏.‏ قال له الطير‏:‏ يا ذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى تناولت الظلمة‏؟‏ انبئني يا ذا القرنين‏.‏ قال‏:‏ سل‏.‏

قال‏:‏ هل كثر بنيان من الجص والآجر في الناس‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فانتفخ الطير حتى سد ثلث ما بين الحائطين، ثم قال‏:‏ يا ذا القرنين أنبئني‏.‏ قال‏:‏ سل‏.‏ قال‏:‏ هل كثرت المعازف في الناس‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فانتفخ حتى سد ثلثي ما بين الحائطين، ثم قال‏:‏ يا ذا القرنين، أنبئني‏.‏ قال‏:‏ سل‏.‏ قال‏:‏ هل كثرت شهادة الزور في الناس‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فانتفخ حتى سد ما بين الحائطين، واجث ذو القرنين منه فرقا، قال له الطير‏:‏ يا ذا القرنين، لا تخف‏.‏‏.‏‏.‏ أنبئني‏.‏ قال‏:‏ سل‏.‏ قال‏:‏ هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ هل ترك الناس الغسل من الجنابة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فانضم ثلثاه‏.‏ قال‏:‏ يا ذا القرنين، أنبئني‏.‏ قال‏:‏ سل‏.‏ قال‏:‏ هل ترك الناس المكتوبة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏‏.‏‏.‏ فانضم الطير حتى عاد كما كان، ثم قال‏:‏ يا ذا القرنين، انطلق إلى تلك الدرجة فاصعدها فإنك ستلقى من تسأله ويخبرك‏.‏

فسار حتى انتهى إلى درجة مدرجة فصعد عليها فإذا هو بسطح ممدود لا يرى طرفاه، وإذا رجل شاب قائم شاخص ببصره إلى السماء واضع يده على فمه قد قدم رجلا وأخر أخرى، فسلم عليه ذو القرنين فرد عليه السلام ثم قال له‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا ذو القرنين‏.‏ قال‏:‏ يا ذا القرنين، أما كفاك ما وراءك حتى قطعت الظلمة ووصلت إلي‏؟‏ قال‏:‏ ومن أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا صاحب الصور، قد قدمت رجلا وأخرت أخرى ووضعت الصور على فمي، وأنا شاخص ببصري إلى السماء أنتظر أمر ربي، ثم تناول حجرا فدفعه فقال‏:‏ انصرف، فإن هذا الحجر سيخبرك بتأويل ما أردت‏.‏

فتصرف ‏[‏فانصرف‏؟‏‏؟‏‏]‏ ذو القرنين حتى أتى عسكره فنزل وجمع إله العلماء فحدثهم بحديث القصر وحديث العمود والطير وما قال له وما رد عليه، حديث صاحب الصور وأنه قد دفع إليه هذا الحجر وقال‏:‏ إنه سيخبرني بتأويل ما جئت به، فأخبروني عن هذا الحجر، ما هو وأي شيء أراد بهذا‏؟‏

قال‏:‏ فدعوا بميزان ووضع حجر صاحب الصور في أحدى الكفتين ووضع حجر مثله في الكفة الأخرى فرجح به، ثم وضع معه حجر آخر رجح به، ثم وضع مائة حجر فرجح بها حتى وضع ألف حجر فرجح بها، فقال ذو القرنين‏:‏ هل عند أحد منكم في هذا الحجر من علم‏؟‏ قال - والخضر قاعد بحاله لا يتكلم - فقال له‏:‏ يا خضر، هل عندك في هذا الحجر من علم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال الخضر‏:‏ أيها الملك، إن الله ابتلى العالم بالعالم وابتلى الناس بعضهم ببعض، وإن الله ابتلاك بي وابتلاني بك‏.‏

فقال له ذو القرنين‏:‏ ما أراك إلا قد ظفرت بالأمر الذي جئت أطلبه‏.‏ قال له الخضر‏:‏ قد كان ذلك‏.‏ قال‏:‏ فائتني‏.‏ فأخذ الميزان ووضع حجر صاحب الصور في إحدى الكفتين ووضع في الكفة الأخرى حجرا، وأخذ قبضة من تراب فوضعها مع الحجر ثم رفع الميزان فرجح الحجر الذي معه التراب على حجر صاحب الصور، فقالت العلماء‏:‏ سبحان الله ربنا‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ وضعنا مع ألف حجر فمال لها، ووضع الخضر معه حجرا واحدا وقبضة من تراب فمال له‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏‏!‏ فقال له ذو القرنين‏:‏ أخبرني بتأويل هذا‏.‏ قال‏:‏ أخبرك‏.‏‏.‏‏.‏ إنك مكنت من مشرق الأرض ومغربها فلم يكفك ذلك حتى تناولت الظلمة حتى وصلت إلى صاحب الصور، وإنه لا يملأ عينك إلا التراب‏.‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏